لاشك أنَّ علم النحو هو مفتاح فهم اللغة العربية، وبه يُدرَك المعنى الصحيح ويُؤمَن من الزلل في الكلام، ويحفظ اللسان من الخطأ، ويُعين على تدبّر القرآن الكريم والحديث النبوي بفهمٍ سليم. ودراسته تُقوّي البيان، وتُهذّب التعبير، وتُضيء دروب العلم بأصول اللغة وروعتها.
كتاب (العوامل المائة) للإمام عبد القاهر الجرجاني (ت: 471هـ) هو مصباح المبتدئين، ومفتاح فهم الإعراب، رتّبه مؤلفه على مائة عامل من العوامل الداخلة على الكلمة، فكان عمدةً في بيان أسباب الإعراب وبواطن أحكامه، بأسلوبٍ مختصرٍ واضحٍ، يُقرِّب البعيد، ويشرح الغامض، ويُعين طالب العلم على إدراك أصول البناء النحوي.
وقد لقي هذا المتن عناية العلماء عبر القرون، شرحًا وتعليقًا ونظمًا، لِما فيه من جمعٍ مبارك، وترتيبٍ حسن، يُربي المبتدئ، ويُذَكِّر المنتهي.
ولأهمية هذا المتن الجليل، وحرصًا على نشر علوم العربية على وجهها الصحيح، عقدت منصة الأكاديمية العليَّة دورة علمية لشرحه، كنا فيها على مائدة العلامة الأستاذ الدكتور/ ربيع جمعة الغفير، أحد المحققين في علوم العربية، فجاء شرحه مزيجًا من الترسُّل والتحقيق، يجمع بين أصالة النحو، وروح المعاصرة، مما قرّب المعاني، وثبّت القواعد، وفتح للدارسين أبواب الفهم والتذوق.
يُعدّ كتاب (العوامل المائة) للإمام عبد القاهر الجرجاني من أبرز المؤلفات التي نالت عناية العلماء وطلاب العلم على مر العصور. فقد وضعه الجرجاني ليكون زادًا للمبتدئين ومرجعًا للمتمكنين، يُسهم في فهم أسرار الإعراب وتفاصيل قواعده الدقيقة.
(1) تمهيد الكتاب:
افتتح الجرجاني كتابه بكلامٍ يسير، يوضح فيه مفهوم (العامل) وأثره في تغيّر الإعراب، مبينًا أنَّ العامل هو ما يُحدث التأثير في الكلمة سواء كان من فعلٍ، أو اسمٍ، أو حرفٍ. إذ لا يتم الإعراب إلا بمعرفة العامل المؤثر في الكلمة وتحديد أثره.
(2) العوامل اللفظية:
ثم شرع الجرجاني في بيان العوامل اللفظية التي تُذكر صراحةً في الجمل، وهي القسم الأوسع في الكتاب، وقد تفرّع الحديث فيها إلى:
ـ الأفعال مثل: "كان"، "ظن"، "أصبح"، وشرح الجرجاني كيفية تأثير هذه الأفعال على المرفوعات والمنصوبات.
ـ الأسماء مثل: المبتدأ، واسم "إنّ"، واسم "لا" النافية، وشرح تأثيرها في الإعراب.
ـ الحروف التي تدخل على الجمل وتؤثر في إعراب الأسماء والأفعال، مثل حروف النصب، والجر، والتوكيد، وغير ذلك.
(3) العوامل المعنوية:
بعد ذلك، انتقل الجرجاني إلى العوامل المعنوية التي لا تُذكر لفظًا، لكن يُفهم أثرها من سياق الكلام، كعامل الابتداء في المبتدأ، والإضافة في المضاف إليه، والرفع في الفعل المضارع.
(4) الأمثلة التطبيقية:
حافظ الجرجاني على ذكر الأمثلة التطبيقية التي تشرح كل عامل، مما يسهل على الطلاب فهم العلاقة بين العامل والكلمة التي يؤثر فيها، ويُظهر كيف يتغير الإعراب بسببه.